هل في الجنة رمضان وصيام؟!

محمد باباعمي

3/17/20241 min read

لا يكاد المسلم، عبر نفحات شهر القرآن رمضان، يتناول كتاب الله الكريم، حتى تهزَّ آياتُه العطرةُ كيانَه كلَّه، على غير مألوفه خارجَ رمضان؛ ذلك أنَّ الصومَ يلطّف النفسَ، ويطهّر الروحَ، ويزكّي الوجدان؛ وهو إلى ذلك يدفع إلى الطاعاتِ، ويلجم عن المعاصي، ويرغّب في المبرات؛ فيصير ذلكم المسلمُ خفيفًا، لكأنَّ ملَكا حلَّ فيه، أو أنَّ جلَّة الملائكة باتت تحميه.
"الصلاة" خلال ساعات رمضان محبوبةٌ إلى النفس، بخاصَّة حين تكون جماعةً، سواء في ذلك المفروضة منها والنافلة؛ والوقوف في صفٍّ تناجي فيه ربك، أحبُّ إليك من حمرُ النعم.
"الصدقة" في رمضان يسيرةٌ على المؤمن، ذلك أنَّ الجوع يذكرك بمن هو دوما في جوع، ويمنعك من التبذير والإسراف، فتسمو مداركك، وتبلغ عنان السماء، ثم تلامس الجوزاء.
"صلة الأرحام" حلو مذاقها في شهر الصيام؛ فالأرحام تزكو ريحهم في هذا الشهر، ويبيت المرء يستروح بلقائهم، كأنه في جنان من ورد وزهر وعطر.
أمَّا "طلب العلم، ونشر العلم"، فليس له موسم يتضاعف فيه الربحُ أكثر من رمضان؛ والنظر في كتاب، وتحرير مسألة، وكتابة مقال... كلُّ ذلك يحشرك مع الخلَّص من الأنبياء والصالحين.
بل وحتى "الاسترزاق" في رمضان، إذا لم يكن على حساب الفرائض والعبادات؛ تحلُّ فيه البركة، فيكون الدينار الذي يهبه الله لك خيراً لك من ألف دينا في غيره، حركةً وبركةً، زكاءً ونماءً.
و"قيام الليل"... و"العفو عن المخطئين"... و"خدمة الناس"... و"نشر الفضيلة"... و"جهاد النفس"... و"الجهاد في سبيل الله"، وهو سنام الإسلام...
لو شئتُ لعدَّدتُ، ولكن أنى للكلمات أن تفصح عن مكنون النفوس؟
ففي قرارة كل مسلم مؤمن صائمٍ، ما لا يحصى ولا يعدُّ من المعاني الجليلة؛ ولكن قد تخونه العبارة، حين تتداركه العَبرة؛ فيُوهبُ مقابل دمعة واحدةٍ ساحت منه إجلالا لله، وتعظيما لشأن الله، وائتمارا بأمر الله، وخوفا من الله، وحبا لله... يُـمنح ذلكم الملَك البشريُّ الرمضانيُّ القبول من الله، والرضا من الله.
ألم يقل جلَّ من قائل، وهو يدعُّنا إلى الاحتماء بالصيام: "كلُّ عمل ابن آدم له إلاَّ الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنَّة..."؟!
ألم يعدنا جلَّ جلاله بالمغفرة التامَّة هديةً لنا إن نحن صمنا كما أمر، وقال: "مَن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".
وإني لأحسبُ أحيانا أنَّ أجواء رمضان هي من أجواء الجنَّة؛ وأنَّ من كمال الجنَّة أن يكون فيها شكلٌ من أشكال الصيام، وصورة من صور رمضان؛ ذلك أنَّ الصيام ليس حرمانا كما يعتقد الكثيرون، بل هو من أرفع أشكال العطاء؛ وأتذكَّر يوما كنت فيه في كندا، قبل عقد ونصف العقد من الزمان؛ استدعى المسلمون حاكما لمقاطعتهم، وهو ليس مسلما، حتى يفطر معهم؛ فوقف خطيبا قُبيل أذان المغرب؛ وقال لهم ببلاغة وحكمة:
"ليتكم دعوتموني إلى الصيام، فأحظى بهذا الخير؛ أمَّا الدعوة إلى الطعام، فذاك ما ألفناه ولا مزية لكم فيه علينا".
وفي مثل هذه الأوقات المباركات، نلوذ إلى الدعاء فرادى ومجتمعين:
اللهمَّ تقبَّل منَّا صيامنا، واكتبنا من عتقاء الشهر الكريم، وشفعه فينا يوم لقائك، واكتب لنا الخير حيث شئت...
ابتلَّت العروق، وذهب الظمأ، وثبت الأجر إن شاء الله...
والصلاة والسلام على خير البرية محمد ﷺ.
د. محمد بن موسى باباعمي
مرتفعات غلا، مسقط، عمان، 3 رمضان 1445ه