عيدٌ في صمت، وصمتٌ في عيد
د.محمد باباعمي
6/7/20251 min read


بسم الله الرحمن الرحيم
على كثرة الفتن التي زلزلت روح العالم الإسلامي لسنواتٍ بل لعقودٍ؛ وعلى كثرة النكسات والنكبات التي دكَّت أرواحنا دكًّا حتى جعلت أفئدتنا فارغة فراغ فؤاد أم موسى؛ غير أني لا أذكر عامًا جمع بين الفرحة والصمت مثل هذا العام؛ ولا أزمةً بلغت الذروة ما بلغته أزمةُ غزَّة وجميعُنا شاهد عليها وشهيدٌ، وكلُّنا متفرج حيالها لا يقدر على شيء، ولا يبدئ ولا يعيد.
مرَّ هذا العيد في صمتٍ؛ كلماتُ التبريك هي ذاتُ الكلمات، لكنَّ الواحد منا يُلقيها مشافَهة، أو يخطُّها مُكاتبة، وهي تحفِر في فؤاده نُدوبا لا تبرح، وتوكئ في ضميره جراحاتٍ لا تبرأ؛ ذلك أنَّ وراء الكلمات صورٌ لإخوةٍ لنا، ولأمَّهات لنا، ولأبناءٍ لنا... يقتَّلون شرَّ قتلة، وينكَّل بهم شرَّ نكلة، وعيدهُم مبارك فوق الحطام، لا خبز ولا زيت، لا مأوى ولا بيت؛ ثم تُنقل لنا المشاهدُ على الشاشات تشفيًّا، أو في القنوات إغاضةً؛ ويقال لنا:
"انظروا إلى ضعف مليار ونصف المليار مسلمٍ، إنهم مكبَّلون مثل العبيد، بل هم اليومَ في تقديرنا من جنس العبيد".
في هذا العيد طال صَمتي، واشتدَّ ألمي، وكدتُ أقنط من حال أمتي لولا أنَّ الله تعالى نهاني عن القنوط... ولقد تعلَّق قلبي بالله وحدَه داعيًا، أجأر إليه بشكواي، وما شكواي إلاَّ شكوى أحبتي... في غزَّة وغيرها من عالم المسلمين...
ومِن عجب أنَّ كلَّ نعمةٍ ينزلها الله علينا تزيدُنا حيرةً وحسرةً، فحين نُلبس أبناءنا الجديد، أو نشتري لأهلنا القربان، أو نـَجلس إلى مائدة فاخرة للطعام... تعذبنا صورُ غزَّة، وما لنا من حيلةٍ، سوى بعض الإعانات، وكثير من الحسرات... ثم لا نستسيغ تلكم النعم، إلاَّ بالقدر الذي يجعلنا نمتثل للسنَّة الطاهرة في الفرحة بالعيد...
أمَّا الجواني والداخلي منَّا فهو في صمتٍ رهيبٍ، وأمَّا البراني والخارجي فهو في حيرة لا حيلة لنا حيالها إلاَّ أن نلوذ بالله وحده، ونرجع إلى الله وحده... "ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين".
اللهم رحماك... وعفوك... وفرجك... يا رب المستضعفين...
د.محمد بن موسى باباعمي
صور، سلطنة عمان
بعيد العيد عام 1446ه.
