حول نظرية داروين، وحقيقة الخلق (حوار مؤسَّس، لا كلامٌ مدنس)

كنت نشرت مقالاً قبل أيام بعنوان: "الإنسان الأوَّل: بين الوحي الرباني، والنظرية البشرية"؛ مستلٌّ من مشروع علميٍّ أنا بصدده، وهو يسعى لاستغراق البحث في آيات كتاب الله تعالى، وهو بعنوان: "تفسير القرآن الكريم من موشور علم الزمن والوقت"؛ وحين وصلت إلى قوله سبحانه وتعالى: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون؛ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا..." الآيات، ثم عرجت إلى قصة آدم عليه السلام؛ حينها كتبت ما نشرته في هذا المقال. ولقد تفاعل القارئ الكريم مع المقال مشكورا؛ منهم من وافق وهم الأغلبية، ومنهم من خالف وهم قلَّة؛ ومع ذلك؛ فأنا أرحب بالموافق والمخالف على السواء؛ غير أنَّ التعاليق تتفاوت بين ما هو علميٌّ، وما هو غير علميِّ، ولا حرج في ذلك؛ لكن الحرج أنَّ بعضا منها ينحو منحى "الوقاحة والغرور" ويوظف كلمات وعبارات توحي أنَّنا في ساحة حربٍ، لا في مقام علمٍ؛ ولذا كتبتُ ما يلي: "ملاحظة: ليس من عادتي حذف التعليقات التي تخالفني، لكن حين يحتوي تعليق ما على قلة أدبٍ في الحوار مع الآخر؛ لا أضيّع الوقت في الجدال، بل أحذفه، ولا مرحبا بعلم يقوم على اللجاج". ولقد أحال البعض إلى المفكر عبد الصبور شاهين، وإلى كتابه "أبي آدم"؛ وتوهموا أنه يوافق رأيهم في نفي الخلق، وإثبات نظرية التطور؛ غير أنَّ قراءة متأنية في الكتاب يثبت عكس ذلك: فأنا أوافقه في محاربة الإسرائيليات التي فُسرت بها آيات الخلق؛ وأوافقه في رد الخلق إلى الله تعالى وحده؛ وأوافقه في القول بخلق الإنسان أطوارا كما في الآية الكريمة، ومن تراب، وفي الأرض، والخالق هو الله تعالى لا غيره. وأخالفه بعض الأحكام عن القدامى، التي بالغ فيها، وهو أمر أراه طبيعيا، ولا غرو. ثم يقول: "وغني عن البيان أنَّ كلَّ الجهود العلمية حتى الآن تنصبُّ على معارضة داروين فيما ذهب إليه؛ وأن ما قدمناه لم يكن سوى بعض العينات التي جهد فيها العلماء ليدحضوا مذهب النشوء والارتقاء... حتى إننا نستطيع أن نقول إن نظرية داروين قد صارت لكثرة ما تعرَّضت له من نقد، مجرد مقولة هشَّة، لا تعني شيئا في مجال البحث عن أصل الإنسان، وإن قدمت الكثير في مجال البيولوجيا وعلم الأحياء. وتبقى حقيقة واحدة، نكررها دائما، هي نسبية التقديرات العلمية... لقد سقطت إذن فكرة التطور الخالق، ونقول (فكرة) ولا نقول (نظرية)، ورغم أن الناس قد فتنوا بهذه النظرية لعدة عقود من الزمن... سقطت بكل ما ارتبط بها من أفكار أخرى، وانتصرت حقيقة الخلق المستقل، التي قررها الدين..." (ص46) وعبد الصبور شاهين اعتمد جملة من العلماء في الحفريات، والبيولوجيا... وغيرها؛ وهو عالم ومفكر درس في فرنسا، وترجم لمالك بن نبي، أكن له كل تقدير واحترام. وأسجل - من جهة أخرى - أن بعض التعليقات كانت صادمة، وفيها من الجرأة على الله تعالى ما لا يخفى، وهي تنم عن عصبية مقيتة، وعن ضيق في الأفق عفن، وعن جهل مطبق بأحكام الدين، نسـأل الله الهداية لأصحابها. ويبقى العلم سجالا بالدليل، والقراءةُ ضرورة للحوار، وما سوى ذلك فهو هراء وسخف... والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. معهد المناهج

محمد باباعمي

2/23/2023

My post content