ما هي الثانية الزمنية؟ (من المجال الفلكي إلى المجال الذري)

ليس أصعب في مجال العلم من "تبسيط المفاهيم"؛ وليس أعسر على البحث مما يبدو لأوَّل وهلة بدهيًّا وسهلا. فالثانية مثلا، هي وحدة من وحدات قياس الزمن؛ لكن ما هي الثانية بالمفاهيم العلمية؟ وهل هي ثابتة عبر التاريخ؟ وهل يمكن قياس الثانية مقارنة بمقياس أدقَّ؟ هي أسئلة تبعث على التفكير العلمي، ويمكن أن نشير إلى الآتي: أنَّ الثانية وحدة من وحدات قياس الزمن والزوايا؛ أي أنها وحدة جامعة بين "المكان" و"الزمان"؛ حيث إنَّ القاسم المشترك هو كون الدائرة هي المعيار والمرجع في قياس الزوايا، وهي كذلك المقياس والمرجع في قياس الزمن. فالدائرة بها 360 درجة، والدرجة تقسم إلى 60 دقيقة، والدقيقة تقسم إلى 60 ثانية. أما في مجال الزمن، فاليوم وهو الوقت الذي تعود فيه الشمس إلى النقطة التي انطلقت منها، في حركة دائرية؛ يقسم إلى 24 ساعة، والساعة إلى 60 دقيقة، والدقيقة إلى 60 ثانية؛ وبالتالي فإنَّ الثانية هي جزء من 24×60×60 = 86400 جزءا من اليوم. أي حين نقسم اليوم إلى 86400 جزءا، فإنَّ الجزء الواحد هو الثانية. لكن، ظهر في أواسط القرن الماضي أنَّ الأرض لا تدور بنفس السرعة دائما، ففيها أحيانا تباطؤ أو تسارع ولو بنسبة ضئيلة، لكنه موجود، وبالتالي لا يمكن أن يتحوَّل إلى وحدة للقياس؛ لأنَّ وحداث القياس أوَّل شرط فيها هو "الانتظام" (Isochronisme). ومن ثم كانت الحاجة إلى مرجع أكثر دقة، وفي عام 1967م، مع توفر الساعة الذرية؛ وهي التي تعمل بذبذبات السيزيوم 133 (Cesium133)؛ وتم تعريف الثانية بناء عليها بأنها الوقت الذي تستغرقه ذرة السيزيوم للانتقال بين مستويات فائقة الدقة بحيث تحدث ما مقداره: 9,192,631,770 ذبذة. من خلال الثانية الذرية أمكن أن نقيس الثانية الفلكية، والتي مرجعها حركة الشمس والأرض؛ وأن نعرف متى يتم التباطؤ، ومتى يتم التسارع، وكم مقداره. ومعلوم أنَّ الثانية مع التطور العلمي باتت تقسم إلى وحدات أصغر بأرقام كبيرة؛ ومن ذلك نذكر حسب النظام الدولي للوحدات، أنَّ يكتوثانية = تقسم فيه الثانية على واحد أمامه 24 صفرا، أي 10 أس 24ــ. ثم زيبتوثانية 21 صفرا؛ أتوثانية 18 صفرا؛ ثم فيمتو ثانية 15 صفرا... الخ. ومعلوم أنَّ اكتشاف الفيمتوثانية منسوب للعالم أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل عام 1999م في الكيمياء. وعالم منتاهي الصغر هو من اختصاص الفيزياء الكونتية؛ غير أنَّ قوانينه لا تتناغم مع قوانين العالم متناهي الكبر، والذي اختصت به الفيزياء النسبية؛ ولهذا حرص العلماء، والمخابر، والجامعات... لعقود من الزمن على إيجاد نظرية تجمع قوانين العالمين، فيما سمي نظرية كل شيء (نظرية المجال الموحد)؛ غير أنهم لم ينتهوا إلى نتيجة مرضية، رغم جملة من النظريات، مثل نظرية الأوتار، ونظرية الأوتار الفائقة... معهد المناهج، الجزائر العاصمة

محمد باباعمي

2/23/2023

My post content