نموذج الكبش الأقرن

(أو حين تكون الفرص قيدا)

د.محمد باباعمي

2/10/20251 min read

سم الله الرحمن الرحيم

طوَّرتُ قبل سنوات نموذجًا تفسيريًّا في التخطيط والإدارة والاستراتيجة؛ للأفراد وللجماعات؛ وكتبتُ فيه نصوصا وخواطر؛ وملخَّص النموذج كما يلي:

في يوم عيدٍ قصد رجلٌ سوقَ الغنم، لشراءِ كبشِ العيد؛ وفي جيبه مبلغٌ معيَّن من المال؛ فلمَّا دخل السوق جلب انتباهَه كبشٌ أقرنُ يبيعه رجلٌ في مدخل السوق؛ فتوجَّه إليه، وساومَه، ثم اتفقا، وسلَّم له المال، وأخذَ بقرني الكبشِ يمسكهما بكلتا يديه، كي لا ينفلت الكبش؛ وبعد مدَّة تأمَّل الوافدين إلى السوق، فإذا هم يتجوَّلون بين الباعة يساومون، ويختارون.

طال انتظار الرجل في هذه الحال؛ ثم تساءل ببراءة:

هل أنا الذي أمسك بالكبش؟

أم أنَّ الكبش هو الذي يمسك بي؟

باختصارٍ، نستنبط من هذا النموذج، هذه القواعد:

1- يعتبر ذلك الكبش بمثابة "الفرص" في الحياة؛ فالكثير من الناس حين تواتيه فرصة يغتنمها دون تفكيرٍ، وينقضُّ عليها بلا روية؛ ثم بعد حينٍ تتحوَّل إلى مِكبح وسجنٍ بالنسبة له؛ فتمنعه من الارتقاء ومواصلة اكتشاف فرصٍ أخرى؛ ولو أنَّ صاحبَ الكبش واصل البحث، لعله يشتري قطيعا، لا مجرد كبش واحد.

2- الإنسانُ لا يقيس الحياة على قدر "جيبه"، ولكن على قدر "مواهبه وقدراته، وملكاته وإرادته"؛ فكم من فاقد للمال غيَّر العالم، وفتح الآفاق؛ وكم من صاحب مالٍ كثير، غير أنه بقي رهينة مالِه، يحرسُه، ويخدمه؛ إلى أن يغادر الدنيا وهو لم يستفد منه الكثير.

3- "الاستعجال" في اتخاذ القرار مضرٌّ بالإنسان؛ ولا بدَّ من "التريث والتفكير الحكيم"؛ دون تردُّد ولا تضييع للفرص في ذات الوقت. قال تعالى لنبيه موسى عليه السلام: "ما أعجلك عن قومك يا موسى".

4- "حرية" الإنسان لا تباع بمال الدنيا؛ فأي وظيف أو فرصة تفقدك حريتك فلا تتردَّد في رفضِها؛ وكثيرٌ من الناس يبيع حريته وإرادته بمالٍ قليل، أو منصب مهين؛ ثم يصير عبدا ذليلا، فاقدا للاختيار.

5- الفرص في الحياة "لا تنتهي"، وكم من إنسان يظنُّ في كلِّ مرَّة أنَّ الفرص لا تعوَّض؛ فيضيعُ عمرُه وهو يلهث وراءها، ثم يقع ضحية النهم، والديون، والتبعات...

6- "الحكم" على الأشياء يجب أن يتسم "بالشمولية" (السوق في حالنا)، أما "الحكم الجزئي" (الكبش الأول) فقد يكون مضللا؛ وغالبا ما تكون المظاهر خدَّاعة، مخالفة لواقع الأمر (الخريطة والطريق).

7- في الأمور المصيرية للحياة وجب أن يتحلى المسلم "بالاستخارة والدعاء لله تعالى" أن يرشده لأحسن الاختيارات؛ وأن يمارس "الاستشارة" لمن قد مرَّ من ذلك الطرق، ولا ريب أنه سينوّر له السبيل، ويمنعه من الوقوع في الحفر والأخطاء التي ارتكبت من قبل.

هذه سبع قواعد، من "نموذج الكبش الأقرن"؛ وعيدُ الجميع سعيدٌ، ولكن بعد رمضان المبارك؛

وكلّكم أحبتي له الملكة والقدرة أن يستخرج قواعدَ أخرى، حسب مداركه، وتجاربه، وأفقه...

وعلى الله قصد السبيل، سبحانه وهو الهادي إلى أقوم سبيل.

د. محمد بن موسى باباعمي

مسقط، سلطنة عمان

شعبان 1446ه/فيفري 2025م